وشهدت الأيام الماضية اجتماعات مكثفة بين وزارة الإسكان المصرية والهيئة العربية للتصنيع والهيئة الهندسية للقوات المسلحة وجامعة الإسكندرية، مع مجموعة "روس نانو" الروسية لتوطين تكنولوجيا الإنتاج المحلي، وتصنيع أدوات محطات تحلية المياه، فهل تواجه مصر أزمة سد النهضة بمحطات تحلية مياه البحر؟.
واتجهت الحكومة المصرية نحو سد العجز المائي الذي تعانيه من خلال بدائل متعددة؛ لتقليل الفاقد من المياه المستخدمة وتوفير مصادر بديلة، منها تحلية مياه البحر لتوفير مياه الشرب للمحافظات الساحلية المصرية، والتي كشف باحثون وخبراء في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية" عن جدواها كمياه شرب أو ليتم استخدامها في الزراعة.
20 مليار متر مكعب عجز مائي
وتواجه مصر عجزا مائيا يصل إلى 20 مليار متر مكعب سنويا، حسب ما ذكرت رئيسة قطاع التخطيط بوزارة الموارد المائية والري المصرية، إيمان سيد.
وأوضحت لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن احتياجات مصر من المياه تصل إلى 80 مليار متر مكعب، بينما مجموع المياه العذبة المتاحة في مصر يبلغ 60 مليار متر مكعب، مشيرة إلى أن مصر تعتمد بنسبة 97 بالمئة على نهر النيل.
وقال باحثون ومتخصصون في إدارة المياه، إن القاهرة اتجهت خلال الفترة الماضية إلى التعاون مع شركات روسية لإنشاء محطات ضخمة لتحلية مياه البحر، ضمن خطة تتضمن 4 محاور، أولها توفير الاحتياجات المائية لحل المشاكل الحالية والزيادة السكانية، والثاني توفير الاحتياجات المائية البديلة لإيقاف نقل مياه الشرب إلى مطروح والبحر الأحمر وسيناء، وأيضا توفير الاحتياجات المائية البديلة للمياه، وأخيرا الاحتياجات المائية المطلوبة للتنمية العمرانية.
وذكر الأستاذ بالمركز القومي لبحوث المياه، الدكتور محمد داوود، أن مصر تعتمد اعتمادا رئيسيا على حصتها في مياه نهر النيل، لافتا إلى أنه في ظل الزيادة السكانية ومعدلات التنمية الحالية، فقد انخفض نصيب الفرد ليصل إلى أقل من 600 متر مكعب سنويا، إذ وصل عدد السكان إلى أكثر من 100 مليون نسمة.
وقال إنه من المتوقع أن يصل عدد السكان بحلول عام 2050 إلى أكثر من 170 مليون نسمة؛ مضيفا: "يجب التخطيط للتعامل مع حصتنا المائية، حتى لا نواجه مشكلة في تدبير الموارد المائية مستقبلا".
وأضاف في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه على الرغم من جهود مصر في إنشاء محطات التحلية، وتدوير المياه، وإعادة استخدام نحو 12 مليار متر مكعب سنويا من مياه الصرف الصحي المعالج أو مياه الصرف الزراعي، فإن مصر "تعاني حاليا عجزا مائيا يقدر بحوالي 20 مليار متر مكعب سنويا"، معتبرا أن أحد الخيارات الحالية لمواجهة هذا العجز هي "تحلية مياه البحر".
وأوضح أستاذ الموارد المائية، أن هناك جهودا كبيرة في الآونة الأخيرة لتوفير احتياجات المواطنين والتوسع العمراني والتنمية، من بينها إنشاء العديد من محطات تحلية مياه البحر بالمدن الساحلية، بعد وضع خطة متكاملة منذ عام 2014، خاصة في شمال وجنوب سيناء والغردقة ومطروح والعين السخنة والعلمين.
وأنوه إلى أن معدل إنتاج محطات التحلية قبل عام 2014 كان يصل إلى حوالي 80 ألف متر مكعب يوميا فقط، وقد ارتفاع هذا المعدل بعد إنشاء محطات التحلية الجديدة ليصل حاليا إلى 750 ألف متر مكعب يوميا.
"1200 دولار للمتر المكعب"
ويتراوح المعدل العالمي لهذه التكاليف بين 1000 إلى 1200 دولار للمتر المكعب من السعة الإنتاجية للمحطة، ويعتمد على عدة عوامل، منها موقع المحطة وطبيعة هذا الموقع وبُعد المحطة عن خط الشاطئ ونوعية مياه البحر، وتوافر المعدات والأدوات في السوق المحلي، وعدد آخر من العوامل يختلف من محطة إلى أخرى.
لكن يمكن تخفيضها لتصل إلى 900 دولار للمتر المكعب من السعة الإنتاجية للمحطة تقريبا، أما النوع الثاني من التكاليف فهو التكاليف الخاصة بالتشغيل والصيانة، وتشمل تكاليف قطع الغيار والمواد الكيماوية المستخدمة وتكاليف استهلاك الطاقة وتكاليف العمالة وغيرها.
وأعلنت الحكومة المصرية، ممثلة في وزارة الإسكان، خطة استراتيجية (2020-2050) للتوسع في تنفيذ محطات التحلية خلال الثلاثين عاما المقبلة، باستثمارات تصل إلى 134 مليار جنيه، يتم تنفيذها على 6 خطط خمسية تصل مدة تنفيذ كل منها إلى 5 سنوات.
وتتضمن الخطة الخمسية الأولى من هذه الاستراتيجية، تنفيذ مشروعات لتحلية مياه البحر في 11 محافظة، بتكلفة تقديرية تصل إلى 30 مليار جنيه. ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منها بنهاية عام 2025.
ويجرى حاليا تنفيذ 19 محطة تحلية جديدة بسعة إنتاجية تصل إلى 550 ألف متر مكعب يوميا، بتكلفة تصل إلى 11 مليار جنيه في سبعة محافظات، هي مطروح والبحر الأحمر وشمال سيناء وجنوب سيناء وبورسعيد والدقهلية والسويس، وفقا لبيانات وزارة الإسكان.
أضرار بحرية
وتختلف الآثار البيئية لمحطات التحلية، وفقا للمرحلة، حسب ما ذكر داوود، ففي مرحلة الإنشاء وإقامة أعمال البنية الأساسية للمحطة، ومنها تركيب خطوط أنابيب صرف المياه، فإن رجوع المياه عالية الملوحة إلى البحر يؤثر على البيئة البحرية وخط الشاطئ، وقد يحدث اضطراب لقاع البحر يؤدي إلى تعكره بشكل شديد وتلوث المياه والتأثير على الكائنات البحرية القاعية.
وأضاف داوود أنه في مرحلة التشغيل قد يؤدي سحب الماء من البحر إلى سحب كائنات بحرية داخل خطوط الأنابيب المغذية للمحطة؛ موضحا أن جميع محطات التحلية في مصر أقل استهلاكا للطاقة الكهربية وبالتالي أقل تأثيرا على البيئة.
وأشار إلى أن التأثير الرئيسي الناجم عن محطات تحلية المياه، هي إعادة المياه الناتجة من عمليات التحلية أو ما تسمى بالرجوع الملحي، والتي تتميز بملوحة وحرارة عاليتين، التي يؤثر تصريفها على الكائنات البحرية الحساسة، مثل الشعاب المرجانية والحشائش البحرية.
لكن مع التصميم الجيد للمصب وإبعاده عن خط الشاطئ ومع وجود حركة التيارات البحرية والأمواج وعمق الماء والخصائص الفيزيائية والكيميائية للمياه البحرية وضعف كميات التصريف بالنسبة للبحر، ينعدم هذا التأثير تقريبا.
وحسب خبراء، فإن هناك اتجاه حالي لاستخدام الطاقة الشمسية في التحلية ليحل محل عمليات تحلية المياه التقليدية المستهلكة للطاقة، أو استخدام الطاقة المستمدة من الرياح.
وهناك أيضا استخدام الطاقة النووية في عملية التحلية، والتي تشير الدراسات الحديثة إلى أنها يمكن أن تخفض التكلفة؛ بنسبة تتراوح ما بين 30 إلى 40 في المئة.
ما مستقبل الزراعة بمياه التحلية؟
خبير المياه في هيئة البيئة بأبوظبي، أستاذ بالمركز القومي لبحوث المياه، أسامة سلام، أكد ضرورة اتجاه مصر إلى تحلية مياه البحر بغض النظر عن أزمة سد النهضة الإثيوبي، خاصة لتلبية الزيادة المتسارعة لاحتياجات مياه الشرب بسبب الزيادة السكانية، ومن ثم تغطية الاحتياجات من مياه الشرب للمحافظات الساحلية.
وأضاف في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الزراعة بالاعتماد على مياه التحلية في الوقت الحالي ليست اقتصادية، بسبب تكاليف التحلية، لافتا إلى أنها قد تصبح في المستقبل أقل تكلفة.
ويرى سلام أن المطلوب حاليا هو الاكتفاء فيما يخص مياه الشرب للمحافظات الساحلية من مياه التحلية، موضحا أن توطين صناعة التحلية أمر في منتهى الأهمية؛ إذ أن مصر ستحتاج خلال 30 عاما من الآن إلى كميات مياه تتراوح بين 5 إلى 7 مليارات زيادة، لتلبية احتياجات مياه الشرب فقط.
وأضاف أن مصر قد تحتاج لتلبية الزيادة المستقبلية من مياه الشرب من التحلية، منوها إلى أن أسعارها ستكون مرتفعة.
المصدر: سكاى نيوز العربيه.