سنوات السينما المصرية : السقا مات
الخميس 23/يناير/2020 - 09:11 ص
صحيفة دبي اليوم
طباعة
في نظرة جديدة على «السقا مات» تكمن حقيقة أن هذا الفيلم الذي أخرجه صلاح أبوسيف وقام بإنتاجه يوسف شاهين، لم يُقدر جيداً بعد. لقد نال إعجاب النقاد العام لكنه لم ينل بعد السعي لتحليل العمل بناء على مقوّماته الفنية أساساً. الكثير مما تم الحديث فيه كان أدبياً عن كيف تم تحويل رواية يوسف السباعي إلى فيلم ثم إجراء مقارنة بين المصدر والنتيجة. لكن الفيلم يحتوي على أكثر من هذا الجهد وبعض الفشل في الوقت ذاته. إنه عن سقاء الحارة شوشة (عزت العلايلي الذي واكب بعض أفلام أبو سيف الأخيرة) الذي يعيش في كنف بيت يضمّه ووالدته الضريرة (أمينة رزق) وابنه (شريف صلاح الدين). في كل يوم يدور على تلك الحارة ليبيع الماء ويعود إلى البيت طالباً الصلاة والراحة. لكن الشعور بالأسى لا يفارقه منذ رحيل زوجته. هذا إلى أن التقى برجل سعيد اسمه شحاتة (فريد شوقي) يعمل في الجنازات فيسير خلفها داعياً ومستقطباً. تنشأ بين الرجلين المتقدمين عمراً صداقة رائعة، ويفهم شحاتة وضع شوشة سريعاً ويسعى للترويح عنه. السعي لا يستمر طويلاً إذ يموت شحاتة تاركاً شوشة فريسة الحزن والذكريات المرّة من جديد.
تراءت رواية يوسف السباعي للمخرج صلاح أبوسيف فيلماً منذ أن قرأها، لكنه لم يجد التمويل لتحويلها إلى فيلم كونها تتحدث عن الموت وتنزع إلى أفكار وجودية مقابل أخرى روحية وكلا الناحيتين ليس مما يجلب الجمهور العريض الذي تتوخاه شركات الإنتاج. في النهاية قام يوسف شاهين بإنتاج العمل وأمّن تحقيقه. تجارياً لم ينجز الفيلم أي قدر فعلي من النجاح (تماماً كما كان متوقعاً له)، لكن على صعيد فني وعلى مستوى المفاد الإنساني شكل الفيلم علامة فارقة بين أترابه من أفلام الفترة وبل لما بعدها.
كتب محسن زايد السيناريو (بمعية أبو سيف) وهما اشتركا كذلك في كتابة فيلم أبو سيف السابق (1973) «حمام الملاطيلي» الذي جمع نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً. كان من الطبيعي لهما تغيير الأحداث لا على صعيد تلخيص كتاب من 400 صفحة فقط، بل أيضاً على صعيد نقل أحداثه من النصف الأول للقرن العشرين إلى النصف الثاني منه. لا غاية سياسية من وراء ذلك، بل مجرد تقريب المسافات ليكون الحديث أكثر قرباً للمتلقي. في الوقت ذاته هناك خامة رائعة اعتاد أبو سيف عليها كلما سعى لنقل أجواء الحارة المصرية وشخصياتها. صحيح أن ميزانية الفيلم لم تسمح بمعالجة شاملة للحارة وتقاليدها (كما في «شباب امرأة» مثلاً) بل كانت كافية للتأكيد على محيط هاتين الشخصيتين. عزت العلايلي مستوى من التمثيل يرتفع تحت إدارة المخرجين القادرين على توظيف قدراته كما الحال في «شيء في صدري» لكمال الشيخ و«السيد البلطي» لتوفيق صالح و«الأرض» ليوسف شاهين وحتى في «بين القصرين» لحسن الإمام. هو في صحبة رائعة مع شخصيات «بلدية» و«شعبية» يعكسها بأمانة ومن دون استعراض نمطي أعمى.
فريد شوقي بدوره لم يجد نفسه في فيلم كهذا من قبل، وهو كان قد ترك وراءه أفلام الحركة ومشاهد الضرب وأمّ أعمالاً أكثر شغلاً على الدراما في أفلام مثل «البؤساء» و«إسكندرية ليه؟» و«طائر على الطريق». إلى حد كبير كان «حمام الملاطيلي» ثاني فيلم مختلف في تاريخ فريد شوقي بعد «باب الحديد» (1958) الذي تم زرعه بين عشرات الأدوار النمطية بالنسبة له.
أدى دوره هنا بمهارة ولو أنه يذكّر بالممثل نجيب الريحاني، الوحيد الذي كان يمكن له أن يؤدي دور شحاتة على النحو المرصود ذاته.
تراءت رواية يوسف السباعي للمخرج صلاح أبوسيف فيلماً منذ أن قرأها، لكنه لم يجد التمويل لتحويلها إلى فيلم كونها تتحدث عن الموت وتنزع إلى أفكار وجودية مقابل أخرى روحية وكلا الناحيتين ليس مما يجلب الجمهور العريض الذي تتوخاه شركات الإنتاج. في النهاية قام يوسف شاهين بإنتاج العمل وأمّن تحقيقه. تجارياً لم ينجز الفيلم أي قدر فعلي من النجاح (تماماً كما كان متوقعاً له)، لكن على صعيد فني وعلى مستوى المفاد الإنساني شكل الفيلم علامة فارقة بين أترابه من أفلام الفترة وبل لما بعدها.
كتب محسن زايد السيناريو (بمعية أبو سيف) وهما اشتركا كذلك في كتابة فيلم أبو سيف السابق (1973) «حمام الملاطيلي» الذي جمع نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً. كان من الطبيعي لهما تغيير الأحداث لا على صعيد تلخيص كتاب من 400 صفحة فقط، بل أيضاً على صعيد نقل أحداثه من النصف الأول للقرن العشرين إلى النصف الثاني منه. لا غاية سياسية من وراء ذلك، بل مجرد تقريب المسافات ليكون الحديث أكثر قرباً للمتلقي. في الوقت ذاته هناك خامة رائعة اعتاد أبو سيف عليها كلما سعى لنقل أجواء الحارة المصرية وشخصياتها. صحيح أن ميزانية الفيلم لم تسمح بمعالجة شاملة للحارة وتقاليدها (كما في «شباب امرأة» مثلاً) بل كانت كافية للتأكيد على محيط هاتين الشخصيتين. عزت العلايلي مستوى من التمثيل يرتفع تحت إدارة المخرجين القادرين على توظيف قدراته كما الحال في «شيء في صدري» لكمال الشيخ و«السيد البلطي» لتوفيق صالح و«الأرض» ليوسف شاهين وحتى في «بين القصرين» لحسن الإمام. هو في صحبة رائعة مع شخصيات «بلدية» و«شعبية» يعكسها بأمانة ومن دون استعراض نمطي أعمى.
فريد شوقي بدوره لم يجد نفسه في فيلم كهذا من قبل، وهو كان قد ترك وراءه أفلام الحركة ومشاهد الضرب وأمّ أعمالاً أكثر شغلاً على الدراما في أفلام مثل «البؤساء» و«إسكندرية ليه؟» و«طائر على الطريق». إلى حد كبير كان «حمام الملاطيلي» ثاني فيلم مختلف في تاريخ فريد شوقي بعد «باب الحديد» (1958) الذي تم زرعه بين عشرات الأدوار النمطية بالنسبة له.
أدى دوره هنا بمهارة ولو أنه يذكّر بالممثل نجيب الريحاني، الوحيد الذي كان يمكن له أن يؤدي دور شحاتة على النحو المرصود ذاته.